طقوس الفرجة: حلقة "باقشيش"...السخرية والحكمة والموعظة

الكاتب : الجريدة24

17 يوليو 2023 - 11:30
الخط :

أمينة المستاري

 من أشكال الفرجة الشعبية المغربية التي اعتمدت على المزج بين الهزل والجد، وبين التسلية والاستفادة وبين الحكمة والموعظة..."الحلقة" التي جمعت الناس بمختلف مراتبهم وأعمارهم وثقافتهم، وتنوعت مواضيعها وأشكال تقديمها، فهي موروث ثقافي شعبي لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية، باعتباره أول مسرح جماهيري في المغرب، يعتمد على الترفيه والترويح عن النفس بعد يوم عمل، اختلفت أماكن إلقائه سواء في الأسواق أو الساحات والأماكن المفتوحة.

استمد فن "الحلقة" تسميته من طريقة تجسيده على شكل دائرة يتحلق حولها الجمهور، وبداخلها يقف شخص "الحلايقي" يقدم عرضه بطريقة استعراضية تختلف من شخص لآخر، فيما يختلف موضوع الحلقة من حكائين ومروضي الثعابين، موسيقيين، عرافين، بائعي الأدوية الشعبية الصالحة لكل زمان ومكان...

بسوس، عرف حي تالبورجت بمجموعة من الأنشطة الترفيهية الخاصة والعامة، حيث كان الفنانون بالجهة يقصدونها بحثا عن الرزق، لاسيما في فصلي الربيع والصيف، فيقدمون عروضهم بتلقائية سواء بالاعتماد على فن الحكي، الإيماء، السخرية، الإبهار...ويركز الحلايقي على انشغالات الناس اليومية.

ومن الحلقات التي عرفت بها أكادير بعد 1945، حلقة "باقشيش" وهي عبارة عن مسرح يتقمص ممثلان عدة أدوار مستمدة من الواقع المعاش بطريقة ساخرة وهزلية، أحد الممثلين الذي اشتهروا بأدائها في ذلك الوقت "أمجوض" و"زروال" وهما من أنباء المنطقة، يرتديان ملابسهما بطريقة غير عادية عبارة عن قميص مرفوع إلى الركبتين محزوم بحبل، وطربوش مخزني تعلوه الأوساخ، ويتقمص الأول دور الرجل القوي الذي يحمل عصا كبيرة غليظة يهدد بها خصمه، في حين يمثل الثاني دور امرأة ضعيفة، أو شخص بليد...يجب تأديبه من طرف أمجوض فيقوم بضرب زروال بقوة على محفظة جلدية غليظة يحتمي بها.

 ويقوم الشخصان بأداء أدوار تجسد الحياة اليومية بالأمازيغية من مشاكل بين الأقارب، الزوجين، الجيران...ويعتمدان على تضخيم الأحداث والتصريح بالطابوهات والمسكوت عنه في المجتمع المغربي المحافظ بهدف إثارة موجة من الضحك بين الجمهور، وهي طريقة تمكن "الحلايقية" من تشخيص مشاكل المجتمع بطريقة ساخرة دون قيود.

كما عرفت حلقة "باقشيش" بأداء ممثلين عروضهم بشكل فردي، منهم من ذاع صيته ومنهم من مات في صمت، كما هو الحال ل"كيلو إحيحي" المتحدر من الصويرة، والذي عرف بإتقانه الضرب على الدف، وإتقان أصوات الحيوانات والشخصيات، وأبدع في السرد القصصي وتقمص الأدوار وكان يتنقل بين أكادير والصويرة وبعض المدن المجاورة...إضافة إلى أسماء سوسية أخرى بصمت فن الحلقة ببصماتها.

وقد ازدهرت حلقة "باقشيش" بمجموعة من المدن، حيث اشتهر مجموعة من فنانيها كمولاي عبد لسلام "الصاروخ" لبنيته القوية والذي يتذكره أهل مراكش، ويتذكر حكاياته المستمدة من الواقع وينتقد الشعوذة وزيارة الأضرحة، ويقدم نصائح بطريقة مرحة ويقدم حكايات خاصة "الصمعة الحمرا"... كما عرف الحسين "باقشيش الأسمر"، الذي اعتبر أحد رواد الحلقة وصانع الفرجة بساحة جامع الفنا، يقوم بالضرب على الدف والصراخ حتى يستقطب الجمهور، يقدم فقرات متنوعة من غناء وموسيقى ورقص...اعتمد على النكتة باعتماده اكسوسوارات كالطاقية، ويقوم بالهمز والغمز ويستفز النساء للتقدم إلى الأمام في حلقته "الزوينة تتقدم للأمام والخايبة ترجع اللور"، كما يعتمد على أسلوب خاص لابعاد النساء عن حلقته...وكان يقدم عرضا مع شخص آخر "باقشيش الأبيض" يقومان بتقديم منافسة بين الأمازيغي والعروبي، ويرفض حضور الأطفال في حلقته حتى لا يسمعوا كلماته النابية والمخلة بالحياء...واعتبر ممن أحيوا الحلقة، والتي بدأت تفقد وهجها وتسير نحو الانقراض.

 

آخر الأخبار