قتلة الأصول... قتل أمه وأخاه وتوأم شقيقته

الكاتب : الجريدة24

03 يوليو 2023 - 02:00
الخط :

فاس: رضا حمد الله

ملامح وجهه خاصمت البسمة سنينا. كان عبوسا دوما ولا تنفرج شفتاه على ضحكة ولو كانت صفراء. وجهه يختصر دواخله.

إنسان مضغوط نفسيا لا يعرف كيف يتصرف ولا يحسن التفاعل مع محيطه. حتى صفحته بموقع فيسبوك، تشم منها رائحة الحزن والتشاؤم المغالى فيه.

أصدقاؤه طالما طلبوا منه صورا له وهو باسم. لكنه كان يصد من يدعوه للفرح، بداعي أن ذاك شأنه لا يعني أحدا غيره.

حالته هذه زادت منذ عاد للاستقرار مع عائلته بمدينة شمالية. إنها رحلة عودة بعد فشل. قضى سنينا في الإمارات حيث اشتغل مع شقيقه صاحب مقاولة للجبس.

كان يكسب كثيرا، لكنه لم يكن يدخر شيئا. كل ما يكسره ينفقه فيما لا ينفع. وفي شهور سبقت عودته للديار، ساءت علاقته مع أخيه بسبب إسرافه وتضارب مصالحهما.

هو يريد أن يعيش كما يحلو له، وأخوه كان حريصا على تأنيبه على مغالاته في الإسراف.

علاقة الشقيقين تغيرت كثيرا ومالت إلى التوتر بعدما كانا سمنا على عسل.

وانتهت بفراقهما واستقراره وحيدا في نفس الدولة. لكن قلة حيلته أجهضت كل محاولاته كسب المال بعرق جبينه.

ولما ضاقت به السبل، قرر العودة إلى حيث توجد أم أرحم من أخ لم يتقبل تهوره. لم يجد بعودته الأرض مفروشة بالورود.

يلزمه عمل يكسب منه لينفق على نفسه. لقد تعود على نمط عيش معين لم يعد ممكنا كما تصوره.

هذا التحول وتازم وضعيته جعله يعيش صراعا داخليا وحده أعلم بدرجة حدته.

تارة تجده متدينا مواظبا على الصلاة ناهيا عن منكر يأتيه خلسة، وفي أخرى متشدد لأفكار لم يؤسسها على قناعات.

لينتهي به المطاف في دوامة حرب داخلية بين اللالتزام وعيش الحياة ولو أنه لم تعد له حيل هذا العيش المتوخى.

صراع جعله أكثر عزلة مما كان، كان يعيش وحيدا وينقل ما بداخله من لواعج وتداخلات وصدمات.

هذا التدافع الذاتي أثر على علاقته بأسرته.

كانت أمه مسالمة تتحاشاه حتى في جلسات عائلية. لم تطق نقاشاته وتشدده وإتقانه عكس ما يدعي. أما اخوه الأصغر، فكان كثير الاصطدام به. وحده كان يقارعه ويحاول عبثا إقناته وكشف تناقضاته.

وكثيرا ما كان نقاشهما ينتهي بتلاسن تعقبه قطيعة تطول أحيانا، ليعود الوئام بينهما لا يدوم.

تدافعهما وخلافاتهما لم تكن ترضي أما في منتصف عقدها السادس. لم تكن لترضى بسماع الجيران صراخهما من حين لآخر.

في ذاك اليوم تجدد نزاعهما وغادر خارج المنزل بذاك الحي الشعبي. طالت جولته بين شوارعه أن تخمد نار الغضب في داخله، ليعود للمنزل وقد فارت أعصابه ولم يعد قادرا على التحكم فيها.

كان قد تسلح من مدية اشتراها وعاد وفي نيته أسوء ما قد تتوقعه أسرة محافظة. كان عازما على الانتقام من أسرته ليطفئ شرارة حقده لأفرادهما رغم أنهم لم يواجهوه أبدا بنفس الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام.

فتح الباب ودخل وقد أشهر شاقورا كما لو كان مشاركا في غزوة من غزوات زمن ولى. أمه أول من صادفها بمدخل الطابق الأرضي من منزل الأسرة المكون من 3 طوابق.

ضربها في رأسها فشقه وتهاوت أرضا. لم يطل عمرها بسقوطها، ولم يكترث بوفاتها أو نجاتها.

وتقدم للداخل حيث وجد الأخ الأصغر جالسا يتفرج في فيلم بقناة فضائية. انتبه الأخ لهيجانه وحاول الفرار للاحتماء بغرفته، لكنه تعقبه ولحق به وضربه بنفس الطريقة التي ضرب بها أمه. بدوره سقط صريعا.

صراخ الخال واستنجاده بمن في الدار، أيقض توأم شقيقته. عمرهما لم يتجاوز الثلاث سنوات.

خرجا مذعورين لبهو المنزل فنالا المصير نفسه. كل ذلك تم بسرعة فائقة. قتل 4 أرواح في فدوقت لم يتعدى ربع الساعة.

أخته أم التوامين كانت في سطح العمارة حيث نشرت الغسيل. بدورها سمعت الضوضاء والصراخ ونزلت مهرولة.

في سلالم العمارة التقاها وأشهر الشاقور في وجهها وضربها في ظهرها بعدما حاولت الفرار صعودا.

من حسن حظها أن صراخ الضحايا سمعه الجيران حضروا وولجوا المنزل دون استئذان. دخولهم أربكه ودفعه للفرار ليهيم في الشوارع، في فترة كان الجيران اتصلوا بالأمن فحضرت عناصرها وانجزت محاضر المعاينة.

نقلت الجثث لمستودع الأموات، واستقبلت مصلحة المستعجلات بالمستشفى الإقليمي اخته كانت بين الحياة والموت.

انطلق البحث عنه من طرف فرق أمنية تفرقت في مجموعات سارت في اتجاهات مختلفة. دام البحث ساعتين قبل العثور عليه في محيط المدينة جالسا فوق حجرة صغيرة وهو باك وقد وضع أداة الجريمة قربها.

حاصرته عناصر الأمن، فاستسلم لم يقاومهم كما توقعوا. بقي على نفس الوضع حتى وهم يصفدون يديه للوراء.

بدا هادئا نادما وقتما لا ينفع الندم. بدا كما لو أن شرارة الغضب داخله خمدت، وعاد إليه هدوء الصبا.

أوقف واقتيد لمخفر الشرطة واستمع إليه وحكى تفاصيل التحول الجذري في حياته وكيف أصبح عدوانيا يحاول تصريف صراعاته الداخلية في أفراد أسرة هادنوه رغم استفزازتهم وقتلهم دون سبب ولا دافع.

والنتيجة الزج به في السجن حيث يقضي عقوبته بعدما أدانته غرفة الجنايات بالسجن مدى الحياة لخطورة الجريمة التي ارتكبها.

آخر الأخبار