قصة السبعة رجال..نزيل الغار الذي أكله الجدام

الكاتب : الجريدة24

16 ديسمبر 2023 - 04:00
الخط :

 أمينة المستاري

 ارتبط اسم مدن مغربية بأسماء رجالها، سواء الصالحين أو الفقهاء والعلماء والمتصوفين، ممن اضطلعوا بدور مهم في نشر الوعي الفكري والسياسي والصوفية.

 بمراكش المدينة الحمراء أو مدينة "سبعة رجال"...اعتبرت مدفن مجموعة من الفقهاء والصالحين، استطاعوا من بين المئات من الصالحين أن يفرضوا تواجدهم، حيث يقال بمراكش أن " كل قدم بولي" دليلا على المئات من الأولياء، وكاد كل حي يرتبط باسم ولي صالح.

وأقيمت أضرحة السبعة رجال على شكل دائري بالمدينة، ليبدأ الزائر زيارتهم بدءا من يوسف بن علي وانتهاء بالإمام السهيلي، في تقليد للطواف حول الكعبة، كما تنتصب 7 أعمدة بالمدينة ترمز لرجالاتها السبعة أو حماتها كما يلقبون، كما أن كل باب من أبوابها ارتبطت بأحد هؤلاء الرجال.

سيدي يوسف بن علي هو أبو يعقوب يوسف بن علي الصنهاجي، عربي من أصول يمنية، عاش في العهد الموحدي وبالضبط  القرن 16م. لقب بـ " يوسف المبتلى"، هو أول هؤلاء الرجال السبعة في ترتيب الزيارة، الذين أطلق اسمه على أحد الأحياء القديمة بالمدينة الحمراء، من الزهاد والمتصوفين الذين وصفوا بالصبر بعد أن أصيب بالجدام، أسلم نفسه لغار مظلم بمكان مقفر قرب باب اغمات وعاش وحدة قاتلة فرضها عليه المجتمع والمرض.

 مصيبة جعلته يتعايش معها ويتقبل "عطية الله"، خاصة بعد أن تخلت عنه أسرته خوفا من العدوى بل وأصبح يعتني بالمجاديم الذين تم وضعهم في "حارة الجدمى" وهو مكان يتواجد قرب باب  دكالة، قبل لجوئهم إلى الغار المتواجد خارج المدينة بباب اغماث، الذي لجأ إليه بعد إصابته وعاش فيه وحيدا لمدة، حتى أطلق عليه اسم "مول الغار"، حيث كان يقتسم مع باقي المرضى لقمته " ويوثر على نفسه ولو كان به خصاصة"، وأصبح بمثابة المخلص للمصابين بالجدام حتى اجتمعت فيه صفات قلما اجتمعت في شخص كالصبر، الإيمان وأصبح زاهدا متعبدا، عالما بأصول الدين ومتمكنا من اللغة وقواعدها، بل واعتبر أحد أوتاد المغرب نظرا لزهده ومن أركان الطريقة الصوفية.

 وصف يوسف بن علي حاله : « تعودت مس الضر حتى ألفته و أسلمني طول البلاء إلى الصبر » في تعبير عن قمة معاناته التي واجهها بالرضا لقضاء الله، فقد بلغ به المرض أن لحمه كان يتساقط، لكن بقي صابرا على ابتلاء الله، مما جعل قيمته تعلو بين ساكنة المدينة والمريدين الذي يقصدونه من كل مكان قصد حله مشاكلهم.

 أصبح "مول الغار" قبلة للمريدين، فهو لم يقبع داخله يبكي مصيره، بل أصبح من العلماء الفقهاء الذين تتلمذوا على يد الشيخ أبي عصفور يعلى بن وين يوفن الأجذم، المعروف بمراكش ، ولذلك سمي حي بأكمله باسمه، يجاور أحد القصور، في الطريق الرابطة بين مراكش وورزازات.
لقد ظل سيدي يوسف بن علي لعقود رمزا للمبتلى الصابر الذي وهب لحمه وعظامه للجذام ليعيش الآخرون، ولو على سبيل الوهم وانتظار الخلاص، على الطريقة المسيحية التي تجسدت في المسيح الذي صلب ليهب الحياة للآخرين .

آخر الأخبار