قتلة الأصول... مختل قتل أمه في "براكة"

الكاتب : الجريدة24

04 سبتمبر 2023 - 09:45
الخط :

فاس: رضا حمد الله

جرب كل حيل الحياة، ولا حيلة نفعت لتأمين استقراره العائلي والشخصي وفي جانبيهما المادي والنفسي. اشتغل في ورشة للصناعة التقليدية، فكاد يفقد حياته في حادث عرضي. فر من الموت وحضنته مقهى اشتغل فيها نادلا ليستفيق على طرده بعد عقد، ويجد نفسه مشردا هضمت كل حقوقه. النحس لاحقه حتى وهو يبحث عن دراهم معدودات في عمله مياوما او بائعا للسجائر يدخنها بشراهة.

- الدنيا عطاتني بالظهر

هكذا كان يصف حاله كلما ضاقت به السبل بحثا عن لقمة عيش مر. تعايش مع المشاكل والنكسات، وعزيمته وصبره نفذت تدريجيا ليدخل في دوامة إدمان سيهدم جدار تحمله ويؤزم نفسيته. انطوى على نفسه فتكسرت ولم يجد من يجبر خاطره، لا احد بمستطاعه ذلك. هو وحيد أمه الستينية، تركهما والده وهو جنين في أحشائها. لكنه عاش على أمل عودته.

كانت الأم دوما تطمئنه بموعد يعود فيه أبوه فيحضنه ويخفف معاناته وألمه. أربعة عقود قضاها في الانتظار، ولا عاد الأب أو انفرج كربه. كل الظروف تحامت عليه. دوما كانت أمه طبيبا معالجة لندوب في نفسيته. تحفزه على الحلم والصبر، وهي العالمة بما لا يعلم وتحرص على إخفائه عنه تلافيا للأسوء. كتمت سرها في قلبها وتعايشت مع وضع ارتضته بعدما فرت من قرية شمالية حيث شبت، إلى الجنوب للاستقرار في حي قصديري في انتظار الفرج.

ظروفه الاجتماعية الصعبة وطول انتظار عودة أب لا يعرفه، ما كانا ليمرا دون تبعات. نفسيته تهتز يوما بعد آخر والأمل يخف منسوبه بمرورها. وتدريجيا سيجد نفسه فاقدا لبوصلة اتزانه النفسي والعقلي. كان أكثر عدوانية بعدما فقد هذا الاتزان. يعنف الجميع حتى أمه لم تسلم. كان لا بد من عرضه على طبيب. لكن ذلك لم يكن يسيرا في يوم أسود أصاب فيها اثنين من كل من حاولوا السيطرة عليها لنقل لمستشفى الأمراض العقلية.

في هذا المرفق قضى شهرا قيد العلاج بين المجانين في ظروف مرغت إنسانيته في وحل الإهمال. كان ومن معه يعيشون في شبه سجن محكم إغلاق أبوابه وحيث القوي يأكل الضعيف. حمد الله لخروجه من سجن اختاره له الجيران درء للخطر الذي شكله عليهم. اخيرا استعاد حريته وعانقها ولم يعد كما كان عنيفا وعدوانيا. الأدوية هدأت روعه، لكنها لم تحمي آلامه.

كان مفروضا عليه تناول قدرا من الأدوية المهدئة ويوميا. الوصفة الطبية باهضة الثمن لم يكن بمقدوره توفيره ولا أمه كذلك بالكاد توفر قليل أكلهما. تدريجيا سيتخلى مكرها عن تناولها، ما أعاده لما عهده عليها الجميع من عنف. حتى أن الكل كان يتحاشى طريقه حتى من الأطفال خوفا على أنفسهم، ليستمر خوفهم وآلامه. أمه كانت أكثر ضحايا مرضه. يوميا يرسم على جسده خارطة طريق مرضه.

مرت الأيام ثقيلة عليها تذوق مرارة عذاب جسدي ونفسي لا ينتهي. وذات ثلاث في الأسبوع الأول من يونيو، سيقع ما كان متوقعا دون أن يتحاشى أحد من الجيران. تركوها كما تركها زوجها الهارب من مسؤوليته، تواجه بطشه وظروفهما، دون أن يقدم لها أكد يد مساعدة أو يساعدها في نقله للمستشفى من جديد، فحالته تزداد صعوبة وخطورته وصلت أوجهها.

كانت في تلك العشية جالسة تنتظر أن يأذن المؤذن للصلاة، فتدعو له بالشفاء وأن يخفف الله ما نزل. أما هو فكان خارج البراكة قبل أن يعود. عاد ولا عاد أبوه أو هكذا حلم. الحديث عن موضوع أبيه أحياه من جديد. ألح على أمه أن تكشف له الحقيقة، لكنها عاهدت نفسها ألا تبوج مهما كانت الظروف والإكراهات. هو جرح تحول ورما ينخر نفسيتها وفؤاده. لكن هذا المرة نصر على بوحها، وهي متشبثة بالرواية التي ركبتها وحبكتها لإقناعه طيلة تلك العقود.

لم يتلقى جوابا يريحه فتناول حجرة وضربها والضربة كانت مميتة. أصابها في رأسها إصابة لم تترك لها فرصة للعيش من جديد. أما هو فلم يتركها وحالها حتى وهي جثة هامدة. تناول الحجرة نفسها وشرع في ضربها بهستيريا في رأسها. الدم رش كل جسده لكنه لم يكف. كل الجيران سمعوا صدى انتقامه من أم لم يرحمها. لكن لا أحد تجرأ على دخول الكوخ. لم يكن بمقدورهم غير الاتصال بعناصر الدرك أملا في كبح اندفاعه وتخليصهم من مختل قتل أمه ويشكل خطر عليهم.

وجدت عناصر الدرك صعوبة في السيطرة عليه. كان لا بد من إطلاق رصاصتين على فخذيه لشل حركة وكبح اندفاعه. أخيرا أوقفوا خطرا داهما. اقتيد لمقر المركز القضائي وترك مصفدا قبل نقله للمستشفى بأمر من النيابة العامة. هناك قضى شهورا وما زال مودعا في انتظار شفائه التام الذي يبدو مستحيلا.

آخر الأخبار