"تخلف" الإدارة وتراجع الاقتصاد وجهان لعملة "غياب الاستحقاق"

الكاتب : الجريدة24

02 سبتمبر 2019 - 01:30
الخط :

رشيد لزرق- خبير في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية

لا غرو في أن الوزراء الذين تداولوا على ورش إصلاح الإدارة هم الأضعف في تاريخ المغرب بكل المقاييس وخير مثال على ذلك أن الوزير الحالي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية يشترك وسلفه محمد مبدع معا في عدم الإلمام بالإدارة وضعف التكوين وانعدام الكفاءة.

الرجلان لا يمتان بعلاقة عن قرب أو عن بعد بملفات الإصلاح الإداري ويلمان باستراتيجية مكافحة الفساد التي هي ضمن الملفات الحساسة والمعقدة، كما لا يصعب الجزم بأن المدة التي قضياها علي رأس القطاع تعد فترة سوداء وحالكة وصعبة.

وفي عهدتهما تحقق لأول مرة إجماع لدى الخبراء ومحللو الشأن الإداري بكون هذا الورش أضحى  «قنبلة» في وجه الحكومة و عائقا أمام التنمية، في الوقت الذي كان يلزم تجند الإدارة المغربية لتكون أداة لإنجاح سياق وطني للإصلاح من خلال تضافر جهود الكل بغاية بلوغ مرحلة التنمية والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية.

لكن هذه الغاية تظل بعيدة المنال في حل من التنزيل المبدع و السليم لنصوص التعاقد الدستوري، الذي خول للحكومة صلاحيات كبري باعتبارها السلطة التنظيمية، وأوكل لها التعيين في المناصب السامية  وفق ما هو مؤطر  بالقانون التنظيمي رقم 02.12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.12.20 بتاريخ 17 يوليو 2012 المتعلق بالمناصب العليا كما وقع تعديله.

وفي مقابل هذه الصلاحيات الدستورية لم تنكب الإدارة السياسية على هذا الورش بروح وطنية و مسؤولية سياسية، وهو ما يظهر جليا عبر الوزراء الذين تداولوا على القطاع والذين كان القاسم بينهم افتقادهم الدارية والكفاية العلمية بما يستطيعون معه من الإشراف على ورش ضخم  يتطلب الجرأة و الإبداع بغاية إخراج الإصلاح من عنق الزجاجة.

والملاحظ أنه في الوقت الذي يعبر إعطاء صلاحيات التعيينات في المناصب السامية على ضرورة تحمل المسؤولية السياسية، فان الممارسة العملية جعلت من سلطة التعيينات غنائم حكومية توكل على أساس حزبي وسياسي لتشكل مساسا واضحا بمبدأ المساواة، وحياد الإدارة، بعدما حضرت  الولاءات السياسية والانتماءات الحزبية أو العائلية. وغابت الكفاءة.

إن شن حملة واسعة لتعيينات جففت الإداراة من خيرة الكفاءات و الطاقات حول بعض الإدارات إلى ملحقات حزبية وكانت بذلك من بين الأسباب الكبرى في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إذ أن الحشود الحزبية المعينة في ضرب لمبدأ الاستحقاق ظلت عاجزة عن ترجمة مقتضيات السياسات العمومية و السياسة العامة.

وفي تناقض تام مع  التحولات الاجتماعية والسياسية كبرى، التي نشهدها والتي  تتطلب أن  تختار الحكومة  أجدر الكفاءات والخبراء الأكاديميين أو أرفع  الخبراء الإداريين والأطر والموظفين، فان الاتجاه أدى إلى تلغيم الإدارة وإغراقها بتعيينات  في كافة المستويات بأشخاص لا يفقهون شيئا من الملفات العادية فما بالك بالملفات الحارقة المطروحة اليوم وأبرزها ملف الاجتماعي وملف التنمية.

كل هذا أشاع جوا من التراخي، مرفوقا بالاحتقان والغضب لدى الإداريين  بما يضرب في مقتل مردودية القطاع العمومي ويجعل دور الإدارة في التصرف في الملفات اليومية يتقلص رويدا رويدا، وهو ما لم يحصل مطلقا في أحلك الظروف التي عاشها المغرب، بحيث ساد  التفكير الغنائمي في التعامل مع الإدارة وهو ما جعلها غير قادرة على أداء وظيفتها خاصة ولم ينتج عنه سوى ارتهانها، لتفقد دورها كرافعة اقتصادية وتجسد عائقا أمام التدفق الاستثماري وخلق الثروة، وقد تأكد تراجع الاقتصاد بعد تخلف مردود الإدارة وتراجع الاستثمارات العمومية.

آخر الأخبار